الجمعة، 17 أبريل 2020

سُورةُ الكُفر


لِتَعلَمـِي.. إِن كُنتِ لَم تَعــلَمِي
أَنِّـي كَظُلْمِي مـِنكِ لَم أُظـلَـمِ
وَلْتَعلَمِي أَنِّي تَغَابَيـتُ عَـن
عَمْدٍ، فلم أَجهَل، ولَم أَفهَمِ
ولَم أَقُل لِلنَّـاسِ: إِنِّي امرُوٌ
إِلى التي عَادَتـــهُ لا يَنتَمِــي
ولْتَعلَمِي أَنِّي إِلى اليَومِ لا
أَدرِي؛ عِقَابِي أَنتِ؟ أَم مَأثمي؟!
بَكَيتُ في مَنفَـــايَ.. لكنَّهُ
بُكَاءُ مَعلُومٍ على مُبــهَمِ
وحِينما أَدرَكتُ أَنَّا مَعًا
ضَحِكتُ كَالسَّكرانِ في المَأتَمِ

***
بِكِ الأَسَى، ما دَامَ بِي مِثلُهُ
فَأَنجِدِي إِن شِئتِ، أَو أَتهِمِي
وقَرِّبي مَن شِئتِ، أَو بَعِّـدِي
وأَخِّرِي مَن شِئتِ، أَو قَدِّمِي
وفَرِّقِي الأَشتاتَ، أَو وَحِّدِي
وجَمهِرِي المَأسَاةَ، أَو أَمِّمِي
وكَافِئِي مَن شِئتِ.. مِن كاذِبٍ
مُؤَبَّدٍ.. أَو صَادِقٍ مَوسِمِي
أَمَّا أَنا فَالشِّعرُ حَسبِي مِن الـ
إِنصَافِ والتَّفكِيرِ بِالمَغنَمِ
لا تَنظُرُ الدُّنيا إِلى شاعِرٍ
لم يَلوِ كَفَّيها ولَم يَلطمِ
ولا يَنَالُ الحَقَّ مِنها سِوَى
مُنافِقٍ لِلشَّيخِ و"الفَندِمِ"

***
تَعَجَّبِي ما شِئتِ مِنِّي.. إِذا
طَلَبتُ حَقًّا مِنكِ، أَو "دَعمِمِي"
فَمَن أَنا ما دامَ لا حِزبَ لِي
ولَيسَ لِي شَيخٌ سِوَى مُعجَمِي!
ولَستُ مَحسُوبًا على سارِقٍ
يَضُخُّ بِالدُّولارِ والدِّرهمِ
ولا "حَراكِيًّا"، ولا "مُشرِفًا"
لِأَنهَبَ "الإِبِـيَّ" و "الحَضرَمِي"
ومَن أَنا حتى تَخَافِي على
حَيَاتِهِ مِن شَارِباتِ الدَّمِ!
ومَن أَنا حتى تَقُولِي له
وقَلبُهُ في الحَلقِ: خَلفِي احتَمِ!
ومَن أَنا حتى تَرِقِّـي إِذا
تَلَعثَمَت عَينَاهُ كَالأَبــكَمِ
لا تَطلُبِينِي الآنَ شَرعِيَّةً
بين انقِلابيٍّ ومُستَسلِمِ
ولا تَقُولِي كيف جافَيتَنِي..
وكَيفَ حِين انهَـرتُ لم تُفحِمِ
لا تُسعِفُ الأَبياتُ رُبَّانَـها
وصَوتُ "رَبُّ البَيتِ" في السُّلَّمِ
العَلقَمُ المَنقُوعُ بِالنـَّارِ لِي!
والبِرُّ والإِحسَانُ لِلـ "عَلقَمِي"!
والتِّـبرُ مَصقُولًا لِمَن تاجَرُوا
والمَوتُ لِلعُمَّالِ في المَنجَمِ!

***
يا جَنَّةَ الأَفَّــاقِ والمـُدَّعِي
وغُربَةَ المُشتـاقِ والمُغرَمِ
لا تَزعُمِي أنَّا كَبِرنا على الـ
ـعِتابِ والتَّدلِيلِ.. لا تَزعُمِي
لِمَن تَرَكتِ الوَردَ يَذوِي على
كُرسِيِّنا المَهجُورِ في المَطعَمِ
لِمَن تَرَكتِ الشِّعرَ يَصحُو بِلا
شَوقٍ، ولا وَعدٍ، ولا مَقدَمِ
وكَيفَ كيفَ اسطَعتِ أَن تُنكِرِي الـ
ـخُرُوجَ مِن قَلبي بِلا مَحرَمِ!
أَلَم تَقُولِي لِي: غَدًا يَنتَهِي
شَقَاؤُنا.. نَم يا حَبيبي.. نَمِ؟
أَلَم تَلُوذِي بي، وتَستَعطِفي
بِصَوتِكِ المُرِّ، الجَرِيحِ الفَمِ؟
لقد تَعَاهَدنا بِأَن نَلتَقِي..
وحِينَما أَقسَمتُ لم تُقسِمي!
سَكَنتِ في رَأسِي، وأَسكَنتِنِي
في بَالِ عِفريتٍ بِلا قُمقُمِ
مَن الذي أَعطَاكِ حَقًّا بِأَن
تُجَيِّشِي شَوقِي، وتَستَعصِمِي؟

***
هل تَعلَمِينَ اليومَ كم ثَروَتِي
وكَم دِيَارًا فِيَّ لَم تُهدَمِ؟!
وهل سَألتِ النَّاسَ عَمَّن قَضَى
شَبَابَهُ في الشِّعرِ والمَرسَمِ؟!
وهل رَحِمتِ الشَّيبَ في غُصنِهِ؟!..
لَن تُرحَمِي.. ما دُمتِ لم تَرحَمِي
بِأَيِّ وَجهٍ سَوفَ تَلقَينَنِي
والقَيدُ في سَاقِي وفي مِعصَمي!
أَنا وأَنتِ اثنانِ، كانا وما
زالَا على مُستَقبلٍ مُظلِمِ
أَنا وأَنتِ ابنانِ أَلقَتهُما الـ
أَقدارُ في هذا السَّرابِ العَمِي
لا تَستطيعُ المَوتَ أجسَادُنا
لِأَنَّها بالعَيشِ لم تَنعمِ
تَرَكتُ رُوحِي فيكِ مَصلوبَةً
وجُثَّتِي دَينًا على (مَريَمِ)
وقُلتُ لِلسَّاعِينَ خَلفِي اخفِضُوا
أَصواتَكُم.. إِنَّ الرَّدَى تَوءَمِي
كُنَّا وما زِلنا مَعًا، مُلهِمًا
يَبُوحُ بِالشَّكوى على مُلهَمِ
مَنَحتُكِ الأَشعارَ مَغسولةً
بِأَدمُعٍ مِن فِضَّةِ الأَنجُم
وعِشتُ بَحثًا عنكِ في غُربةٍ
طَويلةٍ، بَعضِي بها مُعظَمِي
لقد مَلَأتِ القَلبَ حُبًّا، فلم
يُعُد بِهِ غيرُ الأَسَى المُتخَمِ
وها أَنا أَطوِيكِ سُجّّادَةً
عَمياءَ، لم تُفرَض على مُسلِمِ
وها أَنا أُعطِي غِيَابِي يَدًا
بِمِثلِها الأَحلامُ لم تَحلمِ
وها أَنا -بَعدَ انكِسَارِي- أَرَى
أَقصَى مُرادٍ مِنكِ: أَن تَسلَمِي


الشاعر يحيى الحمادي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.