الأربعاء، 21 أبريل 2021

حرير العاشقات - الشاعر /أحمد بخيت

 

سأخـرجُ مـن حريـر العاشـقـاتِ
ومـن ذهــبٍ يـخـونُ معلّقـاتـي
أجـلْ لـي صاحـبٌ يبكـي فأبكـي
ولـي طـلـلٌ يلـيـق بمفـرداتـي
ولـي لغتـان: فصـحـى أنجبتـنـي
ودارجــةٌ سأمنحُـهـا رُفـاتــي!
ولي زهـوُ «المنخّـل» حيـن يُفضـي
بأسـرارِ البُـروقِ إلــى الحـصـاةِ
ولـي شـرفُ الصعـودِ إلـى غيـومٍ
تُقطّرنـي علـى «خــدر الفـتـاة»
ولـي خبـزُ الخرافـةِ ملـحُ دمعـي
رمـالُ بـداوتـي خـمـرُ انفـلاتـي
ولـي بـابٌ علـى الملكـوت نبـعٌ
بـوادي الـجـنِّ عـيـنٌ للمَـهـاة
ولـي أبـديّـةُ الصـحـراءِ لـيـلٌ
بــآلاف النـجـوم الشاحـبـات
حنيـنُ النُّـوق يـاقـوتُ القـوافـي
ولألاءُ التصعـلـكِ فــي الـفـلاة
ولـيْ مـا ليـس لـي خمسـون أمّـاً
ولكـنـي يـتـيـمُ الأغـنـيـات
أتيتُ وفـي يـدي العسـراءِ سيـفٌ
ينـوحُ علـى الضحـيّـة والجُـنـاة
بكيتُ ومـا بكيـتُ قـروحَ روحـي
ولا شـوقـي للـيـل الظاعـنـات
سيرتهـن «السمـوألُ» مـن دروعـي
وديعـةَ ذاهــبٍ نـحـو المـمـات
ستنسلـخ القبائـلُ مــنْ دمـاهـا
ستنتقـمُ الحيـاةُ مــن الحـيـاة!!
أأطلـبُ فـي بـلاط الـرومِ ملكـاً
ولـي ملـكُ الريـاحِ السافـيـات ؟
سأتـرك لـحـمَ أسـلافـي لقيـطـاً
يحـنُّ إلــى حـنـان الأمّـهـات
وأبحـث عـن معلّـقـةٍ لـروحـي
بعيـداً عـن صـواريـخ الـغُـزاة
سلامـاً يـا امـرأَ القيـسِ انتهينـا
حقائـبَ فـي مطـارات الشَّـتـات
أنـا لا أعبـدُ الأصـنـامَ شـعـراً
ولا أبكـي الـرسـومَ الـدارسـات
فُطمْتُ عن الوقـوف علـى خـرابٍ
وتأبـيـنِ الـرمــادِ بنهنـهـاتـي
برئـتُ مـن افتـخـارٍ عنجـهـيٍّ
بـأيـام الـعـظـامِ البـالـيـات
ولـم أصعـدْ إلـى نسـبٍ عـريـقٍ
سوى نسـبِ الصحيفـةِ والـدَّواة!!
سقطـتُ إلـى الحيـاة دمـاً أليـفـاً
يـخـوضُ المعمـعـانَ بـــلا أداة
ومـا لـي فـي ربـاط الخيـلِ جهـدٌ
جهـادي فـي ربــاط الغانـيـات
أنـا مـا لا يحـبُّ الـنـاسُ مـنـي
إمـامُ الـيـأسِ مـهـديُّ الـغُـواة
ورثتُ مـن الحضـارة خمـرَ كسـرى
وآلاتِ الـقِـيـانِ الـعـازفــات
مـن الـروم التسكّـعَ قـربَ دَيْـرٍ
گراهـيـةَ الـرعـيّـةِ لـلـرعـاة
من الهند المنجِّـمَ حيـن يتلـو الــ
طَوالـعَ فــي كـتـاب النـيّـرات
مـن اليونـان سفسطتـي وشـكّـي
وحـيـرةِ موقـفـي وتسـاؤلاتـي!!
سأهبـطُ جنّـةَ الشيـطـانِ يـومـاً
وأقـرع بـابَ مملـكـةِ العُـصـاة
وأصعـدُ نـحـو علّيـيـنَ يـومـاً
لتقتـحـمَ الـسـمـاءَ تبـتُّـلاتـي
سأعصـر گرمـةَ الأيــامِ خـمـراً
وأسـقـي للحـيـاة تناقـضـاتـي
سلاما يـا ابـنَ هانـىءِ نحـن جئنـا
بعصـر الشـكِّ لا عصـرِ الـهُـداة
عنيـداً أبتـغـي مــا لا يُسَـمَّـى
وحـيـداً أستـظـلُّ بمعـجـزاتـي
سأخترق النبـوءة - دون خـوفٍ -
علـى خيـل المعـانـي الخـالـدات
نُفِيـتُ فغبـتُ كـي أَنْفـي غيابـي
نُعيـتُ فجئـتُ كـي أَنْعَـى نُعاتـي
أنـا هـو أحمـدُ الكـوفـيُّ نـامـوا
علـى خُبْـث الرعـيّـةِ والــولاة
أنـا هـو أحمـد الكوفـيُّ قـومـوا
علـى غـدر السيـوفِ المشرعـات
ستسقـط ألـفُ «بغـدادٍ» فسيـروا
إلـى ملـك الأعـاجـمِ والخُـصـاة
فـررتُ إلـى الـذي سأفـرّ مـنـهُ
وألجأنـي الفـواتُ إلــى الـفـوات
خسرتُ أَجَلْ خسرتُ خسرتُ نفسـي
لأربـحَ مـا خسـرتُ مـن الهِبـات
ولكـنـي أكـيـدُكُـمُ بـمـوتـي
وفي شـرف الـردى شـرفُ الحيـاة
سأذهـب طاهـراً منـكـم ومـنـي
إلـى ملكـوت سيّـدةِ اللـغـات!!
دخلـتُ «معـرّةَ النعمـانِ» أعمـى
يرى زحـفَ العُصـارة فـي النبـات
يـرى بـؤسَ الأجنّـةِ وهـي تعـوي
مـن الأصـلاب بحثـاً عـن فُتـات
وها أنـا فـي الثلاثـة مـن سُجونـي
غـرابُ الـروحِ ينعـبُ فـي لُهاتـي
شُفيتُ فمـا شَقيـتُ بـإرث مـاضٍ
وقيـتُ فمـا سُبـيـتُ بحـلـم آت
فكيف طُـردتُ مـن جنّـات شكّـي
مجوسـيّـاً يكفّـرنـي قُـضـاتـي؟
ومن أنـا والتـرابُ يغـوصُ تحتـي ؟
ومـن أنـا فـي سمـاء الطـائـرات؟
ومـنْ أنـا فـي سـلامٍ معـدنـيٍّ ؟
ومن أنـا فـي حـروب الحاسبـات؟
سلامـاً أيهـا الحـاسـوبُ صـرنـا
قوائـمَ فـي ســلال المهـمـلات
سأبحـث عـن «لزوميـاتِ» صمتـي
وعـن قـبـرٍ بحـجـم تأمُّـلاتـي!!
لـمـاذا لا تُتابـعـنـي ظـلالــي؟
لـمـاذا لا تُشابهـنـي صـفـاتـي؟
لمـاذا خَــرّبَ النسـيـانُ قلـبـي
وخانتـنـي شجـاعـةُ ذكـريـاتـ
فـلا طـربٌ ليأنـسَ بـي صِحابـي
ولا غـضـبٌ ليخشـانـي عِـداتـي
كأنـي خـارجٌ مـن كـلّ شــيءٍ
يُسابقنـي إلـى مـوتـي مَـواتـي!!
بعيداً عن دمـي عـن حـزن أهلـي
بعيـداً عـن عــذابِ الكائـنـات
يمـرُّ الفاتـحـون عـلـى عظـامـي
فـلا تدمـى ولا تُـدمـي قَنـاتـي
أنـا حجـرُ النهـايـةِ فاتركُـونـي
لأغـرقَ فــي مـيـاه تداعيـاتـي
هـوتْ عشـرون أندلسـاً لأبـكـي
علـى أطلالـهـا مـجـدَ الحُـفـاة
فمن سيرى قـرابَ السيـفِ يبكـي ؟
ومـن سيلُـمُّ دمـعَ الصافـنـات؟
ومن سيشـمُّ رائحـةَ «ابـنِ رشـدٍ»
تسافـرُ فـي مـداد «الترجـمـات»
ومن سيضـوعُ مِسـكُ الـروحِ فيـهِ
ويسكُـن فــي بـهـاء مُنمنمـاتـي
ومـن سيكـون آخــرَ عَبْشـمـيٍّ
يُمـزّقـه نـحـيـبُ مُوشّـحـاتـي
ومـن سيعلّـقُ الأجــراسَ مـنـا
- قُبيلَ الفجرِ - فـي عُنُـق الكُمـاة
أتسـألُ يـا «ابـن زيـدون» لمـاذا
يعـافُ الشـدوَ جـبّـارُ الـشُّـداة
مضى زمـنُ الذيـن حَمَـوْا حِماهـم
وليـس يليـقُ بـي زمـنُ اللـواتـي
إلـى الرَّبْـع الخـرابِ نعـود رَهْـواً
«فـلا ثقلـتْ بطـونُ المنجِـبـات»
أنـا المتحـدِّثُ الشعـبـيُّ باسـمـي
وباسـم اليائسيـن مــن النـجـاة
مُـدانٌ بارتكـاب «الحـزنِ» جهـراً
ومتَّـهـمٌ بـإزعــاج الـطـغـاة
أنـا مـنـدوبُ تدشـيـنٍ لجـيـلٍ
تَناسـلَ فـي زحــام الحـافـلات
تساقـط مـن دم الأرحـامِ كـهـلاً
لتلعـنَـه أكـــفُّ الـقـابـلات
نما فـي السهـو فـي عَطَـن الليالـي
وفـي عُقْـم الخطـى واللافـتـات!!
أُبشّـرُكـم بتِـنّـيـنٍ رهـيــبٍ
تَنفّـسَ تحـت سقـفِ العـائـلات
سيـرفـضُ إرثَـكـم دون امتـنـانٍ
ويعبـر سخطَـكـم دون التـفـات
سيرقـص فــي قمـيـصٍ أجنـبـيٍّ
ويحـشـو تـبـغَـهُ بالمـوبـقـات
سيهبـطُ نـحـو غُلْمـتـه لـيـأوي
إلـى قطـط الـغـرامِ الجائـعـات
سيصنـع مـن أُبوّتكـم رصـاصـاً
لتندلـعَ الجريمـةُ فــي الجـهـات
سيفـرحُ عندمـا تعطيـه «رومــا»
معـونـةَ شـهــوةٍ ومُعـلَّـبـات
سيخرج مـن ربـاط الخيـلِ قسـراً
ويُطْـرَد مـن دعــاء المئـذنـات
سلاماً يـا «ابـنَ عبـداللهِ» «رومـا»
تُـوزّع خبزَنـا وقـتَ الـصـلاة!!
لمـاذا تجرحـيـن صـفـاءَ يـأسـي
وتجترحـيـن هــدأةَ خـارطـاتـي
وتبتكـريـن نـافـذةً لـروحــي
وتخترعـيـن ثـالـثـةَ الـرئــات
حنانَـكِ أخطـرُ الغـربـاءِ قلـبـي
وأخطـرُ مـا بقلـبـك وشوشـاتـي
أخافـكِ أم أخـافُ عليـكِ مـنِّـي؟
همـا خوفـان: حَـنّـانٌ وعــات
أجيئـكِ فارغـاً مـن كـل حـلـمٍ
وممتـلـئـاً كقُـبّـعـة الـحُــواة
مـن الوعـظ الجبـان مـن الأغانـي
من الخُطـب التـي التهمـتْ ثباتـي
ومن گتـب «الحماسـةِ» و«الأمالـي»
ومـن أشهـى أكـاذيـبِ الــرواة
مـن اللغـو المحنَّـط فـي حــواشٍ
علـى مـتـنٍ لألـغـاز النُّـحـاة!
ومـن صـوف الدراويـشِ التكايـا
دفـوفِ الـزارِ شعـوذةِ الـرُّقـاة!
مـن الحـبّ الـذي لا حـبَّ فيـهِ
مـن الجسـد المهـيَّـأ للسُّـبـات
من «النَّقَب» «الجليلِ» «القدسِ» «يافا»
من «النيل الگظيمِ» إلـى «الفـرات»
وداعـاً للجمـال لشـمـس «آبٍ»
إذا ابتسمـتْ علـى خـدّ البـنـات
لألـعـاب الطفـولـةِ للأحـاجـي
لعصفـور الصـبـاحِ لسوسنـاتـي
وداعـاً للبـكـاء بـصـدر أُمّــي
لفـيـروز العـيـونِ الصـافـيـات
لطعـم البرتقـالِ لصـبـح عـيـدٍ
تَــلألأَ بالثـيـاب الـزاهـيـات
لسطـح طفولتـي لـدجـاج أمّــي
لأفــقٍ بـاتّـسـاع تخـيّـلاتـي
لمقـرعـة المعـلِّـمِ حـيـن تعـلـو
فتنفـجـرُ العـنـادلُ صـادحـات
لحكمـة جَدّتـي لسـعـال جَــدّي
لأشـجـار الحـنـانِ الباسـقـات
لثـرثـرة الصـداقـةِ للمـقـاهـي
لقهقـهـةٍ مـهـذَّبـةِ الـنِّـكـات
لآهـة «أُمّ كلـثـومٍ» «لشـوقـي»
لآلاءِ الـقـلـوبِ الـخـافـقـات
لنزهـة عاشقيـن لشـجـو نــايٍ
لأحــلام الصبـايـا النـاهـدات
لبيـت الحـبِّ للغـد حيـن يـأتـي
لآلاف الـوعــوِد الـرائـعــات
لقـد وَدّعـتُ مـا ودّعـتُ مـنـي
لأولـدَ مــن رمــاد الأمنـيـات
سأفتـرع الكتابـةَ وهــي بـكـرٌ
وأجـتـرح الحقـائـقَ ثَـيّـبـات
وأنتظـرُ القيـامـةَ فــي هــدوءٍ
وحيـداً تحـت سقـفِ مُخيَّماتـي!!



الشاعر /أحمد بخيت