الأحد، 21 نوفمبر 2021

عربي في الجيتو -- الشاعر يحيى الحمادي

 

رَأسٌ يُطِلُّ.. ويَختَفِي رَأسُ
وعليكَ أَنتَ يُرَاهِنُ اليَأسُ
صَنَمٌ يُبَاعُ.. ويُشتَرَى صَنَمٌ
وعليكَ أَنتَ يُرَاهِنُ الفَأسُ
وعليكَ أَنتَ تُرَاهِنُ امرَأَةٌ
في رُسغِها "المِفتاحُ والسَّلسُ"
وإِليكَ أَنتَ يُشِيرُ مِن كَثَبٍ
كَهلٌ، يَكَادُ يَضُمُّهُ الرَّمسُ
وإِليكَ أَنتَ يَحِنُّ مَن وَرِثُوا
دَربَ الشَّقاءِ.. وما بِهِم تَعسُ
وُلِدُوا على قَدَرِ المُخَيَّمِ.. لَم
يُضحُوا على وَطَنٍ، ولم يُمسُوا
وإلى الشَّتاتِ نَأَت بِهِم طُرُقٌ
عَميَاءُ.. لا تَسعَى، ولا تَرسُو
أَعَلَى سِوَاكَ يُراهِنُونَ؟! وقد
خُذِلُوا، وخانَ الجِنُّ والإِنسُ!
ما استَبشَرُوا بِغَدٍ يَعُودُ بهِم
إِلَّا وعَادَ بِشُؤمِهِ أَمسُ
***
يا ابنَ القَضِيَّةِ.. أَنتَ أَنتَ لها
لا الشَّيخُ.. والعَيلُومُ.. والقَسُّ
فَدَعِ الهَوَانَ لِخَاذِلِيكَ.. فَهُم
مِن طُولِ ما سَجَدُوا لهُ فُطسُ
لا تَشكُ قَسوَةَ ما تُحِسُّ بهِ
فَبَنُو العَمَالَةِ ما لَهُم حِسُّ
لا تَشكُ مِن وَطَنٍ إِلى وَطَنٍ
وَطَنُ العُرُوبَةِ كُلُّهُ حَبسُ
وَطَنُ العُرُوبَةِ.. ما يَزَالُ بِعا
رِ الجَاهِلِيَّةِ عُريَهُ يَكسُو
ما زالتِ (الغَبرَا) و(دَاحِسُ)، لا
(ذُبيَانُ) آسِفَةٌ، ولا (عَبسُ)
ما لِلقَضِيَّةِ بَعدَ أَن لَبسُوا
ثَوبَ الصِّراعِ، فَمٌ، ولا هَمسُ
فَالقَائِلُونَ لها: انطِقِي، سَكَتُوا
والسَّاكِتُونَ كَأنَّهم خُرسُ
والخَائِفُونَ على العُرُوشِ جَثَوا
وتَصَهيَنُوا.. وتَزَايَدَ الفَقسُ
لا تَرتَقِب (حَزمًا) ولا (أَمَلًا)
أَمَلُ الدَّعِيِّ وحَزمُهُ وَكْسُ
هي طَعنَةٌ في الظَّهرِ غادِرةٌ
وسِوَاكَ لن يَأسَى، ولن يَأسُو
(كم كُنتَ وَحدَكَ).. غَيرَ أَنَّكَ مَن
سَيَقُولُ: (لا)، فَيُصِيبُهُم مَسُّ
كم صِرتَ وَحدَكَ.. والوَحِيدُ لهُ
ما سَوفَ يَبهَتُ يَومُهُ (وَارسُو)
***
يا ابنَ القَضِيَّةِ.. لا تَلُم أَحَدًا
فَالطُّهرُ عِندَ عَدِيمِهِ رِجسُ
أَنتَ السَّماءُ إِذا الوُجُوهُ خَبَت
أَموَاهُها، واستَأسَدَ الجِبسُ
هُو ذَا ضُحَاكَ اليَومَ عادَ ضُحًى
وذَوُوكَ بين خُصُومِكَ اندَسُّوا
إن لم تَكُن نَطَقَت بَوَارِجُهُم
فَلْتَنطِقِ "السِّكِّينُ والدَّعسُ"
وَلْتَقسُ أَنتَ الآنَ يا ابنَ أَبي
إِنَّ الدَّوَاءَ يَحِنُّ إِذ يَقسُو
لا تُرجِعِ (الثَّورَ) الجَديدَ إِذا
ما فَرَّ.. إِنَّ بَقَاءَهُ نَحسُ
أُيُقَالُ -يا ابنَ أَبي- لِمُنسَلِخٍ:
والقُدسُ؟! ما يُدرِيهِ ما القُدسُ!
هو (رَبُّهُ والدِّينُ) سُلطَتُهُ
هو (قُدسُهُ والكَعبةُ) الفلسُ
هو تاجِرٌ.. وأَخُو التِّجارَةِ لا
يَعنِيهِ إِلَّا الكَسبُ والبَخسُ
هو فاحِشٌ.. ومِن الكَبَائِرِ أَن
تَنهَاهُ عن فَحشَائِهِ الخَمسُ
ومِن السَّذَاجَةِ أَن يُلَامَ على
ما طالَ فيهِ الشَّكُّ واللَّبسُ
ومِن الحَمَاقَةِ أَن يُقالَ لَهُ:
عاكَستَ.. كيف يُعَاكِسُ العَكسُ!
***
لا بَأسَ إِن نَقَضَ العُهُودَ.. فما
لِلنَّاقِضِينَ عُهُودَهُم بَأسُ
لا بَأسَ إِن رَقَصَ (اليَهُودُ) له
فَغدًا عليهِ سَيَرقُصُ (الفُرسُ)
لا بَأسَ.. (عِيدُ الفِصحِ) أَفصَحَهُ
و(الخَندَريسُ) أَمَالَها (الدِّبسُ)
ما دامَتِ الصَّحراءُ عاريَةً
هَيهَاتَ أَن يَتَغَيَّرَ الطَّقسُ
لا تَلتَقي امرَأَتَانِ بِامرَأَةٍ
إِلَّا وكان الرَّابِعَ "الدَّنسُ"
وهُناكَ أَعرَافٌ، فَلَيس على ال
مُتَجَنِّسِينَ يُحَرَّمُ "الجِنسُ"
لا ظُلمَ قُلتُ.. فَإنَّهُ رَجُلٌ
بين الرِّجَالِ، وما لَهُ غَرسُ
(هَف بَالمَهيمُ)، و(ميجدلورُ)، على
شَطَّيهِما كم شَاقَهُ الغَطسُ
حيثُ الخُصُورُ اللُّدنُ مُرسَلَةٌ
وعلى الصُّدورِ قَنابِلٌ مُلسُ
حيثُ اشتِباقُ الرَّملِ في دَمِهِ
يَعرَى، وحَيثُ مَصَارِفٌ تَكسُو
حيثُ الكُؤوسُ هُناكَ تَشرَبُ مِن
يَدِ شارِبٍ.. خُطواتُهُ لَحسُ
لا شَيءَ -بَعدَ الكَأسِ- يُسكِرُهُ
إِلَّا احتِرابُ ذَوِيهِ، والكَأسُ
ما أَقبَحَ العَرَبِيَّ وهو على
دَمِ أَهلِهِ ودُمُوعِهِم يَحسُو
***
يا ابنَ القَضِيَّةِ.. لا قُنُوطَ لِمَن
نَفَسُ التُّرابِ هَوَاهُ والنَّفسُ
تَأبَى القَضِيَّةُ أَن تَهُونَ وفي
دَمِنا لها ولِأَهلِهَا نَبسُ
(لَحمِي على الحِيطانِ لَحمُكَ) يا
مَن في الشَّقاءِ معي لَهُ أُنسُ
نَفَخَ الغُرابُ على دِمائِكَ؟! هل
ب(الشَّمعَدَانِ) سُتَطفَأُ الشَّمسُ؟!
هو رَاحِلٌ.. كَجَميعِ مَن سَبَقُوا
طَمسًا، وإِن حَفَرَ اسمَهُ الطَّمسُ
لن يَقبَلُ (الجِيتُو) الغَريبَ، ولَو
عُقِدَ القِرَانُ.. وأُعلِنَ العُرسُ
وسَيَعلَمُ الأَغرابُ ما جَهِلُوا
وتَجَاهَلُوا، وسَيَصدُقُ الحَدسُ
هذا الشُّذُوذُ له عَوَاقِبُهُ
فمتى..؟ متى يُستَوعَبُ الدَّرسُ؟!


الشاعر يحيى الحمادي

الجمعة، 5 نوفمبر 2021

كانت لنا ايام -- لطفي جعفر امان

 

لا تَسَلني عن الهوى

عن رُؤى الأمس بالصِّبا

صَدَح الفجرُ وانطوى

لحنُه والسَّنا خبا

فأنا اليومَ حيرةٌ

تَنشُد الأمسَ في غَدي!

في غَدي؟! أيُّ مَطلبِ

أنشدُ الوهمَ بالمحالْ

كيف أصبو له وبي

صَدمةُ الواقع العُضال

حيث لا حِسَّ لا صدى

غير أمسي بلا غد!

لم يزل في دمي ربيعْ

دافقُ العطر بالشبابْ

غير أني كمن يَضيعْ

ظمأً يلعق السرابْ

تاه بي شَكُّ حاضِري

راجفُ العُمر من غَدي

عبرت كلُّها سُدى

«خمسةٌ» من يد الزمنْ

فتلفّتُّ في المدى

أرقُب البعثَ في كَفنْ

أرقب الأمس والهوى

في خيالٍ من الغدِ!

اتركيها يا طفلتي

وامسحي الدمع بالعَزاءْ

هذه الدمية التي

حُطِّمتْ أصبحت هباءْ

كلُّ ما مرَّ وانقضى

ليس يَحيا مع الغدِ!

لمَ في الحلم نلتقي؟

في جنانٍ من الأملْ

ثمّ في الحاضر الشقي

في فراغٍ من المللْ

ترسم الريحُ حلمنا

صورة الوهم في الغدِ

يا رفيقيَّ في الحياةْ

يا شُعوري وأدمعي

أعبرُ الأرضَ ذِكرياتْ

ليتَ ما كُنتما معي

لأُغنِّي لحاضري

لا لأمسٍ ولا غدِ!

لأغنّي لحاضري

وهو يهتز في دمي

لا أُبالي بِغابرٍ

أو بآتٍ مُطلسَمِ

لذَّتي حين أنتشي

مُهمَل الأمس والغدِ!

إنما أنتما أنا

في وجودي المبدَّدِ

فامضيا واطويا الدُّنا

كالخيال المجرَّدِ

يحسب الناس أننا

لم نكن بعدُ كالغدِ

يذهب اليومُ من يدي

مثل أمسي كأنما

لم أعش بعدُ مَولدي

أو أنا عشتُ إنما

بين أمسي وحاضري

مثل أسطورة الغدِ!


الشاعر /لطفي جعفر امان