أتراكَ تعرفُ عِلَّتي وشَفائي |
يا داءَ قلبي في الهوى ودَوائي |
ما رقَّ قلبك لي كأن شكايتي |
كانت لمسمع صخرةٍ صمَّاء |
والشوق برَّح بي وزاد شجونَهُ |
يا شدَّ ما ألقى من البرحاء |
عجباً لمن أخذ الغرامُ بقلبه |
أنَّى يعد به من الأحياء |
هل يعلم الواشون أن صبابتي |
كانت بلحظ مها وجيد ظباء |
وتجرُّعي مضضَ الملام من التي |
حلت عقيب الجزع في الجرعاء |
لم يحسن العيش الذي شاهدته |
من بعد ذات الطلعة الحسناء |
فمتى أبلُّ صدىً بمرشف شادن |
نقض العهود ولا وفى لوفائي |
وجفا وملّ أخا الهوى من بعد ما |
كنا عقيدي ألفةٍ وإخاء |
ونأى بركب الظاعنين عشية |
أين الركابُ وأينَ ذاك النائي |
أصبحتُ لمَّا ماسَ عدل قوامهِ |
أشكو طِعان الصعدة السمراء |
وأجيبُ سائلَ مهجتي عن دائها |
دائي هواك فلا بليت بدائي |
لم يدر واللمسِ الممنع طبّه |
أن الدواء بمقتضى الأدواء |
عُج يا نديم على الكؤوس ميمِّماً |
وأدِر عليَّ سلافة الصهباء |
وأعد حديثَك لي بذكر أحبّةٍ |
كانوا بدور سناً لعين الرائي |
مرت بنا أخبارهم فكأنها |
أرَجُ الصّبا عن روضة غناء |
وتحاكمتْ بي في الهوى أشواقُهم |
فقضى عليَّ الحبُّ أيَّ قضاء |
لو كنت أدري غدركم بمحبكم |
ما كنتُ أمكِنكُمْ على أحشائي |
لامَ النصيحُ فما سمعتُ ملامَه |
وصَدَدْتُ عنه لشقوتي وعنائي |
ما كانَ أرشدني إلى سبل الهوى |
لو أنني أصغي إلى النصحاء |
كيف المنازلُ بعد ساكنة الحمى |
عهدي بها قمريَّة الأرجاء |
لما وقفت على منازلها ضحىً |
حَيَّيتُها بتحيَّةِ الكرماء |
عادتنيَ الأيَّام في سُكانها |
كعداوة الجُهَّال للعلماء |
هل أصبح الدهر الخؤون معاندي |
أم كانت الأيام من خصمائي |
ما للَّيالي إن نظرْنَ فضائلي |
نظرتْ إليَّ بمقلة عمياء |
إنِّي أصون الشعر لا بخلاً به |
عن أن يذل بساحة اللؤماء |
أن كنت تثني بالجميل على امرئ |
فعلى جميل أبي الثناء ثنائي |
أعيى المناضلَ والمناظرَ فارتقت |
علياؤه قدراً على العلياء |
متوقد مثل الضرام فطانة |
وبلطف ذاك الطبع لطف الماء |
فتبلَّجت منه شموس فضائلٍ |
ظهرت على الدنيا بغير خفاء |
وعلت على أفهامنا ألفاظه |
فتمثَّلت بكواكب الجوزاء |
تلك الرويّة والسجيَّة لم تزل |
أقمار أفقٍ أو نجوم سماء |
كم قد أفيضت من يديه لنا يدٌ |
شكراً لهاتيك اليد البيضاء |
إيْ والذي جعل العلى من مجده |
فرح الصديق وغمَّة الأعداء |
شِمنا بوارق نائل من سيله |
متتابع الإحسان بالآلاء |
هيهات يحكي جوده صوب الحيا |
والغيث موقوف على الأنواء |
بحر إذا التمس المؤمِّلُ ورْده |
فاضت عليه زواخر الأنداء |
إن قيل في الزوراء أصبح قاطناً |
فاعلم بأنَّ المجدَ في الزوراء |
نُشرت علومك في البلاد جميعها |
كالصُّبح إذ ملأ الفضا بضياء |
ولك الذَّكاءُ كأنّما برهانه |
يكسو سناه تبلّج ابنِ ذكاء |
ونظرتَ في الأشياء نظرة عارف |
حتَّى عرفت حقائق الأشياء |
وكشفتَ من سر العلوم غوامضاً |
فيهن كانت حيرة الحكماء |
أجريت حكم الله بين عباده |
فعَلَتْ بحكمك راية الإفتاء |
وكأنما يوحى إليك فقد بدت |
لك معجزات النظم والإنشاء |
فَعَلَت لك الأقلام في مهَج العدى |
ما تفعل الأبطال في الهيجاء |
خرسٌ إذا أنطقتَها بأنامل |
أخرَسْتَ فيها ألسن الفصحاء |
أبكيتها فتضاحكت لبكائها |
روضُ الفضائل لا رياض كبار |
فإذا مدحت مدحت غير مراهن |
فيها وغير معرض لرياء |
فاهنأ بهذا العيد إنك عيده |
يا فرحتي دون الورى وهنائي |
وأجزْ عبيدك في رضاك فإنه |
وأبيك غايةُ مطلبي ورجائي |
لا زلت منفرداً بما أدَّيته |
من رفعةٍ وفضيلة وعلاء |